المعمر مرشد الدوسري وحديث خاطف عن الحياة في الماضي
في صدفة من أجمل الصدف، وأنا في مهمة عمل في بلدة الشملول التي تسمى حالياً (مركز مَعَقْلا ) التابعة لمحافظة قرية العليا، التقيت بالمعمّر مرشد الدوسري في مجلسه الشيخ ناصر العطني – رئيس مركز أم عقلا السابق مغرب يوم السبت ١٤ صفر ١٤٤٤هـ، فكان معه هذا اللقاء العفوي القصير:
س١/ عرفنا باسمك ومكان ميلادك؟
ج١/ اسمي: مرشد بن راشد بن صعب آل عمَّار الدوسري، من مواليد الأفلاج زمان السبلة عام ١٣٤٧هـ كما سمعت ذلك من أهلي، أي أن عمري الآن( ٩٧ )عاماً، وأسأل الله حسن الختام.
س٢/ حدثنا عن طفولتك، أين كانت؟ وهل درست على يد المطاوعة الأولين من أهل الأفلاج؟ وأخبرنا عمّن تعرفه منهم؟
ج٢/ عشت حياة بدوية، ولم أتعلم، سوى ما أخذته من والدي الذي درس في شبابه على بعض مطاوعة الأفلاج دراسة بسيطة.ولا أعرف أحداً من مطاوعة الأفلاج؛ لأني عشت خارج مدينة ليلى في البادية؛ لكني سمعت بابن عيسوب وأنه من أهل العلم. وفي الأفلاج مطاوعة كثر؛ ممن عرفوا بالتقى والصلاح والعلم.
س٣/ أين كانت منازلكم في البادية؟
ج٣/ أغلب منازلنا في هريسان، وهو الجناح الشمالي من البياض، ونقطن في السيح عند النخيل مع جماعتنا حتى يطلع سهيل ثم نعود للبادية.
س٤/ حدثنا عن السيح؟
ج٤/ السيح من قرى الأفلاج، وفيها غابات من النخيل وسواقي كثيرة كأنها أنهار، وأذكر من سواقي الأفلاج في السيح وغيرها: برابر، والمنجور، والوجاج، ، ويقول شاعرنا يفتخر بالسيح:
حنّا هل السيح ليا من زانت أثماره
ناكل حلاويه وأطرافه نعفِّيها
يا غرس لا ترتهج وإنّا لك تجاره
معنا أم خمسٍ جديداتٍ أوانيها
س٥/ تشتهر الأفلاج بكثرة القصور التي لايعرف لبعضها تاريخاً محدداً، هل تذكر شيئاً منها؟
ج٥/ نعم أذكر قصيرات عاد بن كنعاد، ولا أعرف غيرها.
س٦/ هل عاصرت أزمنة الجوع؟
ج٦/ لحقنا جوع شين وأنا في صغري، وبعض العرب هلك، وبعضهم امتهن التسول على الأبواب.
وأذكر أن والدتي كانت تقسم على بعض من حولنا تمراً في قدح معها؛ لشدة ما يجدونه من الجوع، تعطي كل واحد منهم قليلاً قليلاً، لتسد جوعهم به. حتى يصلون المديد الذين ذهبوا لجلب الطعام.
س٧/ ماهي الأسواق التي كنتم ترتادونها لجلب طعامكم؟
ج٧/ كانوا جماعتنا يمدون للأحساء، ويأتون بالعيش والتمر منها، حيث يسوق أحدهم ناقته، ومثله آخرين، فيبيعونها ويأخذون بقيمتها ما يحتاجونه من الطعام، وكانت ظروف الناس صعبة للغاية، فلا يأتي نصيب الأسرة إلا قلَّة من التمر وبعضهم نصف قَلَّة تكفيهم أشهراً طويلة. ونحمد الله على ما نحن فيه اليوم من الخيرات.أما باقي ما نحتاجه فنكمله من سوق الأفلاج.
س٨/ حدثنا عن الأزمنة المسمَّاة التي عاصرتها؟
ج٨/ عاصرت زمن جبار وأنا شاب صغير( غليّم)، حيث كنا في دهر، وأهملنا قراشنا ( الحلال)،وماتت المفاريد، فرزقنا الله برجع لامثيل له، وجبر الأرض بالرعي وأنبتت عشباً يحبّل الإبل، فسموا الناس ذلك الزمان بزمان (جبّار)، وقبيلة آل مرة يسمونه: ( زمان عاضه)، يقصدون أن الله عوّض الناس بالمطر بعد المَحْل.وعاصرت زمان الحصبة، ثم زمان الجدري، وهو الذي قضى على إخواني وهم صغار رحمهم الله، ومات بسببه أناس كثر.
س٩/ هل حججت على ظهور الإبل؟
ج٩/ أول حجة لي كانت مع والدي على سيارة مع أناس آخرين، ولا أذكر نوعية السيارة، أو شي من معالم الطريق؛ لبعد السنين.
وحججت مرة أخرى وأنا شاب عن والدتي مع أناس ليسوا من جماعتي، وتهت في المسعى، ومكثت ليلي كله أبحث عنهم حتى دلني الله عليهم بعد تعب شديد.
س١٠/ هل التحقت بعمل حكومي أو خاص؟
ج١٠/ عملت قبل سنوات طويلة جداً في شركة كسارة، نقطع الحصى الكبيرة أنا ومن معي ونحملها على ظهور الشاحنات، وكان عملاً مضنياً جداً ثم تركته، ولم التحق بأي عمل آخر طيلة حياتي، وتفرغت لرعي إبلي.
س١١/ ذكرت لنا سابقاً هريسان حدثنا عنه؟
ج١١/ هريسان يطلق على الجناح الشمالي من البياض، وهو مرتع للحلال في مظماة من تحت الأفلاج، عبارة عن رقة بيضاء من تحتها خد وعرة فيها أشجار يصعب السير فيها.
وهو ممتد يتيهون فيه الناس من طوله وتعدد أعلامه، وفيه أمشّة وأثماد وآبار لقبائل الدواسر ، أذكر منها: جو، ورملان، وأبو حداد في جناحه الشمالي، و أبو ركبة، وركيبين.
س١٢/ ما الفرق بين البياض وهريّسان؟
ج١٢/ هريسان كما ذكرت لك سابقاً يطلق على الجناح الشمالي من البياض ويعتبر جزءاً منها.
وإذا أردت أن تفرّق بينهما، فإن ما يوالي عرق الدهناء الذي نسميه ( الرميلة) فهو هريسان، والذي يوالي المياه والأفلاج نسميه (البياض).
أما البياض عموماً فكل محادير الخرج والأفلاج تسمى ( بياض) حتى شمالي السليل.
س١٣/ حدثنا عن أعلام البياض التي لازالت عالقة في ذاكرتك؟
ج١٣/ أعلام البياض كثيرة أذكر منها: عنيزان وهي حزوم طوال مشهورة، وأم الروس، وبرقا الكون، وشداد، والعبيد وغيرها كثير.
س١٤/ هل كنتم تنزلون جبل العارض القريب من الأفلاج خاصة في مواسم العشب؟
ج١٤/ العارض أرضه تحفي الإبل، وفي بطون أوديته هشلاء إذا سالت أوديته؛ لذلك تعافه الإبل وترتاح للأرض الدمثه التي ذكرتها لك. وفي شعاب العارض أناس لايفارقونه دائماً من أهله. وإبلهم قليلة ومعهم غنم.
س١٥/ متى هجرت حياة البادية واستقريت في الشملول؟
ج١٥/ أخذتني الإبل جهة الصمان والدهناء بعيداً عن مسقط رأسي، وكنت أرّبع بها في الشمال الشرقي من المملكة، وأصل حتى حدود الكويت، فلما كبير سني وتعبت فضلت الاستقرار في بلدة الشملول، وها أنا فيها منذ عدة عقود، والحمد لله على كل حال. وأرجو من الله حسن الخاتمة.