أبناء الرؤساء…ورّطوا آباءهم .. ويرددون هذا ما جناه علي أبي ..
[COLOR=green]صحيفة طبرجل الإخبارية – زين الجميّل[/COLOR]
ليس خفياً على أحد ما يدور في العالم العربي من تغيير وثورات متعددة المطالب والأهداف ، ابتداءً من ثورة تونس الذي بدأها البوعزيزيي بإحراق نفسه اعتراضاً على الحياة المعيشية الصعبة التي يعانيها مع الشعب التونسي ، مروراً بمصر التي نجحت ثورتها أيضاً بوضع حجر الأساس لمصر جديدة بعقلية ” حكومية ” جديدة توجهات يرى المراقبون أنها أيضاً جديدة .
وهاتان الثورتان قد حُسمتا بتنحي كلاً من زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك ، وبدأ شباب الثورة ومن خلفهم الجهاز العسكري الداعم لهم بوضع أسس دولة جديدة ، من تغيير لبعض مواد الدستور تحضيراً لانتخابات رئاسية جديدة وصلاً إلى إعادة النظر ببعض السياسات الاقتصادية والسياسية التي كانت متبعة سابقاً .
ولكن هناك ثورات مازالت قائمة ونتائجها لم تظهر بعد ولكن بانت بعض ملامحها ففي ليبيا يرى المراقبون أن الوضع ليس إلا مسألة وقت بعد أن تدخّلت قوىً خارجية ودولية لحسم الأمر ووقف حمام الدم الذي لوّث به القذافي يداه وضلع فيه الجيش بقيادة أبناءه .
أما في الجهة الأخرى من الشرق الأوسط نجد الوضع متأججاً مع أن صالح وصل بتنازلاته لدرجة أنه أعلن تنازله عن السلطة بشرط تسليماها لأيادي أمينة ولكن المتظاهرون رفضوا واستمروا بتظاهرهم .
فهناك إصرار من المتظاهرين في شتى الأقطار التي تشهد تظاهرات بالمطالبة بتنحي رؤساء هذه الدول كخطوة أولى وهذه يدفعنا للتساؤل لم هذا الإصرار ؟ حتى لو نُفّذت مطالب المتظاهرين يبقى الوضع على ما هو عليه ،.! ويرتفع سقف المطالب ، حتى يتنحى الرئيس أو يهرب .
باعتقادي أن هذا الإصرار ناتج عن خشية المتظاهرين من العودة للوراء بعد خطوتهم الأولى لأن العودة عن قرار التظاهر سيترتب عليها نتائج قد تكون ” مميتة ” ، كمن يدخل في كثبان رملية متحركة فإما أن يجالد ويستمر فتكون بذلك فرص النجاح موجودة فينال مراده ، أو أن يعود إلى الوراء ، فتكون النتيجة إما مدفوناً تحت الرمال ، أو سيدفنه النظام وفي كلتا الحالتين سيموت ، وهذه هي حال المتظاهرين ومشكلتهم الكبرى تكمن في الخطوة الأولى .
وهناك سبب آخر أيضاً جوهري لهذا الإصرار في التظاهر والمطالبة بتنحي هؤلاء الزعماء ، وهذا السبب يعود إلى الخشية من أبناء أو أقارب الزعماء .
من المؤكد أنه سيتبادر للأذهان عن العلاقة التي تربط الثورات بأبناء الزعماء والجواب يكمن بأن هناك شبه إجماع دام لعدة عقود وهي فترة استلام الزعماء للسلطة على أن يتمّ تقبل هؤلاء الزعماء بحلوهم ومرّهم لأنهم ساهموا بشيء تجاه بلادهم ، ثم يأتي أجلهم ويرتاحون ويريحون .
ولكن بدء يلوح في الأفق نظام ” التوريث الجمهوري ” الذي يتم بتوريث هؤلاء الزعماء ونقل السلطة إلى أبناءهم تدريجياً ابتداء من تسنيمهم بعض المسؤليات كقيادة الأمن الخاص ..أو الحرس الجمهوري ..أو ربط بعض إن لم يكن كل الوزارات به مباشرة والوزير ليس إلا ” خيال مئاتة ” كما يقول إخواننا المصريين ، فتصبح طموحات الشعوب تحت أقدام هؤلاء الذين تحولوا بقدرة قادر إلى متصرّفين بشؤون البلاد والعباد فيذهب الأمل .. وتضيع الأحلام .. وتتبخر الأماني .. ويطول الصبر .
ولو عدنا إلى الوراء قليلاً ، أي إلى ما قبل بداية الثورات ،لوجدنا أنه كان من البديهيات ظهور أبناء الزعماء في المحافل المحلية والدولية وكان تعامل قادة العالم معهم على أساس لا يخلوا من الشعور أنهم يمثلون والدهم ودولتهم .
بدأت القصة بمصرعندما بدأ ظهور جمال مبارك ابن الرئيس المتنحي حسني مبارك القوي في الحياة السياسية والذي أصبحت بيده العديد من القضايا السياسية الهامة ،من خلال شغله لمنصب الأمين العام المساعد وأمين السياسات ” السابق” للحزب الوطني الديمقراطي وهو الحزب الحاكم في مصر ، فكانت تلك الخطوة الأولى لدخول باب الرئاسة أو الترشيح للمنصب من أوسع الأبواب ، كما كان حضوره المكثف على الساحة السياسية دليلاً آخر على ذلك فشكّل ذلك هاجساً لدى المعارضة التي بدأت بالتشكل قبل سنوات نتيجة تلك الممارسات وكانت نتيجتها الثورة التي سجلها التاريخ العربي الحديث .
وفي نفس السياق كان زين العابدين بن علي يوجّه بطرق غير مباشرة السبل لصهره محمد صخر الماطري زوج ابنته الكبرى ليجعله صاحب حضور سياسي بعد أن أصبح في فترة وجيزة رجل أعمال يشار إليه بالبنان ، فشغل منصب عضو اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي التونسي في دورته عام 2008 .
والملفت في الأمر هو أن نتيجة تلك الثورات في كل من مصر وتونس دفعت بالرئيس علي عبد الله صالح الرئيس اليمني الديمقراطي منذ 32 عاماً بالإعلان أمام أعضاء مجلسي النواب والشورى في جلسة طارئة أنه لن يترشح لدورة رئاسية جديدة بعد انتهاء ولايته عام 2013، وأنه لن يورّث ابنه الحكم.
نعم لن يورث ابنه الحكم لمعرفته بأن ” التوريث ” هو الدافع الخفي للمظاهرات والثورات .
وفي ليبيا كان الأمر مختلف عن مثيلاته من الدول العربية ، فللقذافي خمسة أبناء ذكور ، كان لأربعة من الذكور حضور على الساحة السياسية حتى اختهم عائشة كانت تضطلع بمنصب في الأمم المتحدة كسفيرة للنوايا الحسنة ، وقد برز من هؤلاء ” الفرسان ” الأربعة سيف الإسلام القذافي الذي ظهر إبان الحرب القائمة في ليبيا كعنصر فعّال من خلال ظهوره الدائم على شاشات التلفزة يهدد ويلوّح .. ويدلي ..
فكان له حضوراً ملفتاً يعبّر عن الدور الذي كان يسند إليه خلال السنوات الفارطة والدور الذي سيتبوؤه في المراحل القادمة لولا الثورة القائمة الآن في ليبيا والتي صارت نتائجها ظاهرة للعيان وسقوط ” العقيد ” قاب قوسين أو أدنى ..
المشكلة الكبيرة لا تكمن فقط بتوريث هؤلاء ” الأبناء ” ولكن المشكلة بما حملوه من فضائح مالية وسياسية وجنسية حتى وصلت مع بعضهم الضلوع بجرائم قتل وتفجير واختلاسات ضخمة وتآمرات على شعوبهم وأوطانهم والتي انكشف ماهو أفظع منها بعد الأحداث الأخيرة .
فكيف ممن يريد من هذه الثورات أن تهدأ وتركن ، مع تزامن إطلاق هؤلاء الزعماء لوعود بالعفو ونسيان الماضي والتنحي بعد حين ، إلى ما هنالك من الوعود ..!
ولكن الجميع يعلم أن هناك من هم بالمرصاد .. أبناء يتطلعون للقيادة والحكم ولتصفية الخصوم حتى قبل أن يولدوا .