الإعلام السعودي..الصحافي “مدعياً عاماً” والمتحدث “محامياً” الصحافة والعلاقات العامة “الإخوة الأعداء”
[COLOR=green]صحيفة طبرجل الإخبارية – الرياض،الدمام،جدة[/COLOR]
تأفف بعد انتهائه من سابع محاولة. منذ أكثر من ساعتين وهو يحاول أن يعثر على المتحدث الرسمي لجهة حكومية ما، عبر الاتصال على هاتفه، لكن ما من مجيب .
هذا المشهد مألوف جداً. صحافي يبحث عن رد الجهة الحكومية لاستكمال خبر أو قضية ما، لكن «سلبية» المتحدث ستقف حاجزاً وعقبة أمام خروج المادة الصحافية إلى النور.
منهم من يفقد الأمل ويستسلم ومنهم من يلجأ إلى المصادر داخل الجهة الحكومية، لأخذ ما يريد.
لكن لعلاقة الصد وجه آخر، فمسؤولو العلاقات العامة في جهات حكومية عدة، يتوددون إلى الصحافيين عندما تولد إحدى البيانات الصحافية «المملة» من جهته الحكومية.
تبدو الصورة بين الصحافي ومسؤول العلاقات العامة مشابهة في الوسط الإعلامي السعودي إلى قاعة المحكمة، فالعلاقة تنجرّ أحياناً لتضع الصحافي في موقع «مدعٍ عام» والمتحدث الرسمي يقوم بدور «المحامي». كلاهما ينتميان إلى المجال نفسه والتخصص ذاته، إلا أنهما يشبهان إلى حد كبير «الإخوة الأعداء».
وقد فتحت صحيفة الحياة تحقيقاً من شقين يسلط الضوء على العقبات أمام الصحافيين والعلاقة مع إدارات العلاقات العامة في الجهات الحكومية، ومعركة الشد والجذب بين الطرفين المعنيين، وتطرح مطالبات بـ «حق الحصول على المعلومة».
[COLOR=green]الصحافة والعلاقات العامة “الإخوة الأعداء”[/COLOR]
تبدو الدراسة المرتبطة بالعلاقات العامة والمسماة بـ «الأخوة الأعداء»، ظاهرة في العلاقة التي تجمع الصحافة بإدارات العلاقات العامة، إذ إن تلك العلاقة تأتي متأرجحة بين المتانة والضعف، بحسب إرضاء كل طرف للآخر من عدمه.
ففريق العلاقات العامة يعتقد أن الصحافة تسعى إلى الإثارة وإبراز الجوانب السلبية، في حين أن الصحافة تعتقد أن العلاقات العامة لا تبثّ إلا الأخبار الإيجابية وتخفي السلبية، غيرَ أن كل فريق من الفريقين بحاجة إلى الآخر حتى وإن كانا متضادين، فلا يمكنهما الابتعاد عن بعضهما، من منطلق أن العلاقات العامة مصدر الأخبار، والصحافة ناقلة لها، لكنهما متضادان. وبمجرد ظهور انتقاد يتمثّل في حديث صحيفة ما حول حقيقة سلبية تعايشها إحدى الجهات، يأتي رد الفعل بشكل سريع، ليأخذ شكل العداء والتذمّر، وهو ما يمتدّ ليطال عدم الالتفات لتلك الصحفية المنتقدة، وعدم التجاوب مع متطلباتها، مثل الامتناع أو المماطلة في تقديم بعض الإجابات المتعلّقة ببعض الاستفسارات المهمّة، في الوقت التي يصول فيه تجاوب تلك الجهة ويجول في الصحف الأخرى، التي تغض الطرف عن كل ما يبرز السلبيات.
انتقد أستاذ العلاقات العامة والإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالرحمن النامي، الأسلوب المتّبع من كثير من إدارات العلاقات العامة في الجهات الحكومية والخاصة، معتبراً أنها تمارس «أساليب غير مناسبة» في تعاملها مع الصحف، ولا تعكس العمل الحقيقي للعلاقات العامة، مرجعاً سبب اتباع تلك الأساليب إلى أن معظم القائمين على تلك الإدارات ليسوا متخصصين، وبالتالي لا يدركون ماهيّتها.وقال في تقديم لـ «الحياة»:» عدم تخصّص المشرفين والقائمين على معظم إدارات العلاقات العامة لدينا، أوجد مجموعة من الأمور السلبية التي تعتبر بعيدة تماماً عن علم العلاقات العامة وشكلها الحقيقي، لدرجة تصل إلى رؤية بعضهم بأن الصحافي لا بد أن يكون ناطقاً باسم الجهة، وألا يخرج عن التصريحات والبيانات التي تُرسل إليه، وألا يبحث عن خلفياتها ومتابعتها».
وأضاف: «العاملون في إدارات العلاقات العامة من المتخصصين وهم قلّة، ينحصر عملهم على التشريفات والاستقبالات فقط، لتأثرهم بسياسات العمل السائدة التي وجدوها في إداراتهم، متنازلين عن المبادئ السامية وأخلاقيات عمل العلاقات العامة التي من أهمها مبدأ «قل الحقيقة ولا تكذب»، وبالتأكيد أن الممارسات الخاطئة في العلاقات العامة تنعكس بشكل كبير على سير العمل في الجهة».
ونوه إلى أن الكثير من الإدارات تصنّف الصحافي المنتقد للجهة، بأنه مضاد لعملها ومعادٍ لها، متجاهلين أن من أدوار الصحافة العمل على لفت الانتباه إلى وجود قصور في أحد الأعمال الخدمية بهدف إيجاد الحلول لها، خدمة للمصلحة العامة، موضحاً «في الوقت ذاته هناك صحافيون يبالغون في عملية الانتقاد، لمواقف شخصية بحتة».
واعتبر أن للصحافيين المتعاونين مع بعض الجهات دوراً في ترسيخ مسألة غض الطرف عن السلبيات، لافتاً إلى أن هذا النوع من الصحافيين يهدفون إلى حماية مؤسساتهم من انتقاد الصحافة، على رغم أن أعمال العلاقات العامة بحاجة إلى الانتقاد حتى تتطوّر.
وشدد على ضرورة إيجاد الأشخاص المؤهلين للقيام على إدارات العلاقات العامة، لتعمل على بناء جسور قويّة مع الصحافة وتلقّي انتقاداتها، لا أن تعمل على طلب رضا الصحافيين، ليصبحوا حراس بوابة للمواضيع المتعلّقة بهم.
وأكد أن العلاقة التي تجمع الصحافة والعلاقات العامة يفترض أن تقوم على مؤشرات عدة، من بينها الاستفادة المتبادلة في ما يخص توعية الرأي العام والتنبيه إلى المخالفات، واصفاً العلاقة بين الطرفين بأنها شائكة ومتنافرة، أكثر من كونها علاقة تقوم على إرضاء بعضهما.
وتابع: «من أبرز الخطوات التي تسهم في تقوية العلاقة بين الصحافة والعلاقات العامة، ترسيخ مبدأ الثقة، وبعد الإدارات عن أسلوب المكابرة والعمل على تبرير القصور في الأعمال الخدمية التي تقوم بها جهاتهم، والاعتراف بالأخطاء علنياً لتكسب ثقة الصحافة والمجتمع، إضافة إلى عدم الهروب من مواجهة الأزمات، وإنما العمل على حلّها بمشاركة الصحافة.
[COLOR=green]متحدثون إعلاميون: الأنظمة الإدارية تكبلنا[/COLOR]
يرى متحدث إعلامي في إحدى الجهات الرسمية في المنطقة الشرقية، أن «الرد من عدمه تحكمه ضوابط تضعها الإدارة للمحافظة على بعض المعلومات، وعدم رغبتها في نشرها». ويبدي تعاطفه مع الإعلام والصحافيين، «أنا إعلامي وانحاز إليهم، لكن الضوابط تحكم عملي»، مضيفاً أن «ما يحدث بين الإدارات والإعلام، يظهر الوعي في التعامل، وبخاصة أن الإدارات تدرك أن الإعلام هو البوابة إلى الجمهور، لذلك يتم التعامل معه بشفافية»، معتبراً أن المتحدثين «رجال وضعوا من أجل العمل بصدق، في توضيح أعمال إداراتهم، مهما كان نوعها، وليست مهمتهم التستر أو تحمل عبء أخطاء الإدارة».
وفيما يتعلق بعدم إعطاء الصحافيين الإجابات شفهياً، يوضح «في بعض الأحيان نحتاج إلى التأكد من كون المتصل صحافياً أم لا، قبل أن نعطيه أية معلومة، ونلجأ في مثل هذه الحالات إلى طلب إرسال الأسئلة بالفاكس، ولا يعني ذلك امتناعاً عن الإجابة، وإنما من أجل المزيد من التأكد من هوية الشخص المتصل». واتهم بعض الصحافيين بـ«عدم الاحترافية»، وقال: «بعضهم يعمل في الصحافة من أجل الدخل الإضافي، وربما تكوين علاقات مع شخصيات تساعدهم في الحصول على وظيفة، أو تحسين وضعهم الوظيفي»، لافتاً إلى أن ذلك «لا يعني الحط من قدر الصحافيين العاملين في الساحة، بل نحترم دورهم».
ويعتقد أن «بعض الصحافيين يقومون بتحويل المادة الصحافية إلى الإثارة، من دون الاستناد إلى معلومات حقيقة ومؤكدة»، داعياً إلى «توخي الدقة في نقل المعلومات، وعدم صوغها بطريقة تعطيها أكبر من حجمها الحقيقي». ولم يخفِ استياءه من بعض الصحافيين «نعمل مع بعضهم بشكل يومي، لكن تقاريرهم لا تستحق القراءة، فهم لا يهتمون بتطوير عملهم، بل يتخذونها مطية للوصول إلى مآرب أخرى».
ويربط مدير العلاقات العامة والإعلام في المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة الشرقية سامي السليمان، بين «الصحافي النزيه المُبتعد عن الإثارة، وبين إعطاء المعلومات شفوياً»، موضحاً أن «بعض الصحافيين نقدم لهم المعلومات التي يطلبونها عن طريق الهاتف، ولا نطلب منهم إرسال فاكس بالأسئلة، وذلك عائد إلى الثقة المتبادلة، ولتأكدنا من أنه لن يغير في المعلومات أو يستغلها بطريقة غير صحيحة، من أجل الإثارة». ويكشف، عن «قيام صحافيين بنشر معلومات ليست للنشر، وإنما نطلعه عليها من باب العلم بالشيء، ونؤكد عليهم عدم نشـرها، إلا أننا نفاجأ في اليوم التالي بنشرها في صحيفته»، مبيناً أن هذا الأسلوب في «عدم بناء الثقة يؤدي بالمتحدثين الإعلاميين إلى الحذر، والامتناع عن التصريح المباشر، وطلب أسئلة مكتوبة».
[COLOR=green]مطالبة بتفريغ المتحدثين ومنحهم الصلاحيات[/COLOR]
أجمع صحافيون على أن أبرز ما يواجههم من عقبات لدى التعامل مع القطاعات الحكومية على تنوعها، تكمن في تمنّع كثير من الناطقين الرسميين لدى تلك الجهات عن الرد عن تساؤلاتهم. ولا يعفي الصحافي في صحيفة «عكاظ» سعود البركاتي المتحدثين الإعلاميين من مسؤولياتهم، «فحداثة التجربة لا تعفي تلك الجهات من تهمة التقصير»، مطالباً بإقامة دورات تأهيلية لمتحدثي الجهات الحكومية «حتى يقوموا بالحد الأدنى مما ينتظر منهم».
وحكى البركاتي عن تجربته الشخصية مع أمانة مدينة جدة، «كنت دوماً أحاول الحصول عـلى المعلومة التي أريد من الأمانة بشكل سلس وسريع»، إلا أن تجاهل الأمانة لتساؤلاته أو التأخر في الرد عليها لأكثر من يومين كان يضطره – كما يقول – في كثير من الأحيان إلى اللجوء للمصادر حتى تكتمل رواية الأطراف ذات العلاقة بالقضية للقارئ.
وبات من المألوف لديه أن يلجأ لكتابة الجملة الشهيرة «أمتنعت الأمانة عن التعليق» وفي ظل ما وصفه بتضييق الأمــانة على الصــحافيين بمــحاولة توجيهــها لهــم وبـمحاولة إلغـائـها لأحد أهم عناصر الخــبر؛ وهو المـصادر».
وأكد أن من حق الأمانة أن تعطي الصحافــيين المعلومة بشكل منظم، «إلا أن ما يحدث أن أمانة جدة كانت تفرض على الصــحافيين التقيد بالحصول على المعلومات من مــصادر ثلاثة فقط: الأمين ونواب الأمين والمركز الإعلامي، لكن المصادر الثلاثة لا تعطي المعلومات ولا تتجاوب مع التساؤلات». وأضاف أنه كان ينتظر للحصول على رد الأمانة في قضية ما يومين وعندما كان يلجأ إلى المصادر أو كتابة امتناع الأمانة عن الرد كانت تقابل الأمانة ما حدث بما وصفه بـ «الغضب غير المبرر».ولفت إلى أن ما يحدث بينه والأمانة، يحدث أيضاً مع بقية الصحافيين الذين يتابعون أخبارها؛ لكن بنسب متفاوتة، مشيراً إلى تعميم موزع على جميع الأقسام والبلديات الفرعية التابعة لأمانة جدة «يمنع التصريح لأي وسيلة إعلامية». وتابع: «لا تتوانى الأمانة في معاقبة من لم يلتزم بهذا التعميم»، مستشهداً بآخر تجاربه عندما تحدث مسؤول داخلها عن انقطاع الكهرباء عن «مقبرة الأسد» لأكثر من شهر، مؤكداً أنها عاقبت المسؤول.
في حـين تساءل الصـحافي محمد آل ناجم من صحيفة «الوطن» عن المواصفات التي يجب توافرها في المتحدث الإعلامي، «وهل تعطى المعلومات التي تهم المواطن للمتحدثين الرسميين من إدارتهم الحكومية أساساً؟». واعتبر آل ناجم أن المتحدث الإعلامي ضاع بين ظنه أنه وجد من أجل «التلميع» لإدارته الحكومية وبين تغييبه عما يحدث في إدارته وتزويده بأخبار لا تهم القارئ.
وأبدى آل ناجم تعجبه مما وصفه بـ «تحصن» المتحدثين الإعلاميين وامتناعهم عن الحديث، مطالباً الإدارات الحكومية كافة أن تمنح المتحدثين الإعلاميين لديها الصلاحيات للحديث والتصريح حول تساؤلات الصحافيين كافة.
وتمنى من الإدارات الحكومية إيكال مهمة الناطق الإعلامي كمهمة وحيدة للناطقين، مشيراً إلى أن الواقع بعكس ذلك «فالناطقون الإعلاميون ليسوا مفرغين، ما يفضي إلى ضبابية في العلاقة بين المتحدثين الإعلاميين والصحافيين.