الأخبار المحليةالمقالات

الـجـهـمـي وحديث ماتع عن الحياة في الماضي

 

هذا اللقاء مع أحد كبار السن المعمَّرين في بـيـشـة والذين عاصروا أجيالاً وحِقباً مختلفة، عاش في أكناف الأكابر، وعركته الحياة، مجرّب خبير، شاعر وراوي ومن العارفين بالأنساب، اختير ضمن قائمة الأسماء المستهدفة من فريق الباحثين في التاريخ الشفهي بدارة الملك عبدالعزيز، حلب الدهر أشطُره، وتلا حروفه وأسطُره، وتقلب في حياة البوادي، التقيته ودار بيني وبينه أحاديث وأخبار قديمة. يتكلم بالسلِيقة وسجيّة أهل البادية سَنِيَ إلى المعالي من أهل العِرف والسِلف حينها استرعى انتباهي قول شاعرنا ابن جدلان رحمـه الله

الحاجة اللي تبرطم بالحجاج الضحوك .. يقلط لها شايبٍ عند الملاقى صبي

ما فتئ يردد بين الفينة والأخرى الكثير من العبارات الإسلامية والتي تدل على نقاء السيرة وصفاء السريرة ويحدوه الرغبة الصادقة في الفوز برضاء الخالق مصاحبًا ذلك بزفرات أنفاس فيها أنين وحنين (يا الله نفعك لا قلّت النفُوع – يا حي يا قيوم _ يا حي يا دائم ترحم من لا يدوم – يا فرج الله يا قريب – لا إله إلا الله محيي العظام الرميم – لا إله إلا الله كلمة نحيا عليها ونموت).

س1/ عرّفنا باسمك ومكان ميلادك؟

ج/1 اسمي : بداح بن عبدالرحمن بن قبّاس بن تركي بن قباس الجهمي

من مواليد بـيـشـة (بادية المتن)، وذلك زمان هيّة (يوم) عين الفَعَم، وهي مغزى الملك فيصل -رحمـه الله – لعسير أثناء معسكره في بيشة، كما هو مؤرخ عام (1340–1341هـ) هذا ما ذكره لي والدي وخُبرة من كبار الجماعة، ويزيدون أن في العام نفسه كان ميلاد ابن العم ناصر بن طمّاح بن ناصر الجهمي، رحمـه الله وعمري اليوم ( 104) والله أعلم.

س 2 / حدثنا عن طفولتك، أين كانت؟ وهل تعلمت القراءة والكتابة؟

ج2/ عشت حياتي كلها في البادية، أرعى الإبل (الأوارك) التي ورثناها من أجدادنا الأولين، وأعرف الحساب، ولم أتعلم القراءة ولا الكتابة، لذلك لم نعتنِ بتدوين التواريخ والأحداث، يا ولدي الذي لا يكتب مثل البعير المفلِّي. ولا يحفظ البقع إلا الرقع.

س 3 / أين كانت منازلكم في البادية ؟

ج3/ في مساكن الأجداد التي بقي فيها الأحفاد في بادية المتن (شرق بيشة) فحياة البادية كما تعلم حياة حل وترحال نتتبع مساقط الغيث ومنابت العشب، ونخايل البرق فإذا جاء الربيع على نجد حدرنا، وإن جاء الصيف على الجنوب سندنا.

س4 / متى تزوَّجت ؟ وكم كان مقدار المهر؟

 ج/4 النساء في ذلك الوقت قليل وتزوجت وأنا في الثلاثين من عمري وأتذكر وقتها أننا كنا في خريف زين في أرض خلايل(أعلى مركز صمخ) وكانت مراسم الزواج بحضور الأسرتين حيث لا يتجاوز العدد 15 شخصًا وتكفيهم ذبيحة واحدة والمهر كان عينيًا (مقاضي) وكان مهر زواجي زوليّه ( سجادة ) وحجول (من أدوات الحلي والزينة) وبالمناسبة كانت المناسبات الاجتماعية تقام فترة الغداء ونادرًا ما يكون بالمساء لانشغال الناس بحياتهم الذي يتوجب عليهم النوم مبكرًا كي يستعدوا لأعباء النهار.

س 5 / حدثنا عن المَدْراء ومزارعها؟

ج5 / قرية حصينة منيعة من قُرى بيشة الجنوبية، تقع على حرف وادي بيشة الشرقي، وتحفها المساهر الحربية القديمة (أبراج المراقبة) وفيها غابات النخيل، وفيها الماء، وكنا وقت الخريف أي وقت الخُرفة نحوّل من البادية إلى البلاد، وأحيانا لا نأتي إذا كان الحيا بعيد وفيه يقول أحد شعرائنا من أهل المدراء:

هملول بشّر على بدونا قفّوا وخلّوا حَسِيِن الغرايس

مــدري مــتــى بــيـــردونـهـــــا

ويقول أحد شعراء جماعتنا:

يا وجودي هيّض العين وأبكاني

يوم شفت الجو دونه عوا ذيبه

راكب لي قضبوهن بالأرساني

قو درهامه يفضِّي مصاليبه

ينحرن منيس لا من السفر باني

عند منعور يثني تراحيبه

نصها المدراء مداهيل خلاني

وهَل غرسٍ مظهرين مواجيبه

والنخل فيها جِزي، ( يُسقى من مياه الأمطار ) وكانت المدراء القديمة قبل عهد الأمن والاستقرار مُحكمة بصرفين (بابين) من خشب تسمى الدروازة من جنوب القرية تحت ريع عفتان ومن شمالها . وكانت المزارع (البلاد) في ذاك الوقت بلا حدود، وكل واحد منا يعرف حدود بلاده وكنا نعشقها، ونسميها كما نُسَمِّي أبناءنا مثل: تسميتنا لبعضها بـــ : الغاشريّة – المرصعيّة – الغنيميّة – المرصوصة – مغيثه – سواحب – رثام – الجُفرة – زبده – الصدر – القفا – وغيرها .

س6/ ماهو أخطر سيل مرَّ على بيشة ؟ وماذا فعل الناس؟

ج6/ سيل قَشّة، وقد كان على وقت ابن جبرين (أمير بيشة من أواخر 1354هـ – حتى نهاية 1356هـ ) وهو زمان اشتد فيها قوة السيل وجميع الأودية الرافدة حدَّرت مِلئ وجرى السيل من الحرف للحرف وهلع الناس حتى إنه قشّ كل ما يعتري طريقه من جذوع النخل وأخذ كثيرًا من المواشي حتى إن مزارع المَدْراء امتلأت بالسيول جرّاء ارتفاع منسوب المياه مع ريع الخرز -غربي القرية-وعن ذلك الحدث يقول أحد شعراء قرية الحِيْفَة:

يا سيلٍ جانا من الـــعنُـــوق

يــســـي مــايــلات الــعذُوق

خرّب في القصور الحضارة

والــبـــدو خــــذا مـــالـــهــا

س7 /تشتهر بيشة بكثرة أصناف التمور، هل لك أن تعدد لنا بعضًا منها؟

ج 7 /نعم فيها الصِّفْرِي والبَرْنِي والشُّكُل والسِّري وحمراء عميق والجسب (القسب) من نوع بديره وغيرها من الأصناف.

س 8/ حدثنا عن الأزمنة التي مرت على منطقة بيشة سواء عاصرتها أم لم تعاصرها؟

ج/8 عاصرت زمان سيل قَشَّة الآنف الذكر وعاصرت زمان الثلج، وفيه مات الشيخ محمد بن فائز المقيطيف وكان قبل وفاة الملك عبدالعزيز بسنة تقريبًا (1372هـ ) وهو مطر عام اشتد نزوله في فصل الشتاء لمدة سبعة أيام اكتست الأرض ببياض الثلج. زمان عَبُّود أتانا وسمي على أرض ظهر تبالة وكنا في شهر الصوم واجتمعوا جمع غفير من كل مكان عند أبرق عبود وكان ذلك قبل زمان الثلج. وعاصرت أيضاً زمان السمن الحمر (الأحمر) وهو زمان أخصبت فيه الأرض، وعاد نفعه على البلاد والعباد؛ فأصبح السمن المستخلص من الدواب أحمر اللون لكثرة لحمها وشحمها، ولا أتذكر وقته وغيرها من الأزمنة التي سمعت بها ولم أعاصرها كزمان دمنان أتى ديم مطر اخضرت الأرض عليه والعجيب أن ما تحت الدمن جاف لم يصله الماء وزمان الجراد حيث قضى الجراد على الأخضر واليابس حتى أنه التهم جريد النخل. وأخبرني والدي رحمـه الله بأنه حصل زمان الجوع ويسمى زمان الهجران حتى أن الناس أكلوا من أغصان شجر المرخ ولاذ الناس بأهل الغين والطين (أهل المدر والنخل).

س 9 / ماهي الأسواق التي كنتم ترتادونها؟

ج9/ كان الطعام من الذرة والشعير والبُر وكان يأتينا من الحجاز، ونقايضه بالتمر، وكان لي أصدقاء أصِلهم ويصلونني وأكثرهم من البهشه، ومنهم مشبب الفِرم رحمـه الله … وأما بقية الحوائج فنأخذها من سوق نمران أو سوق الروشن ببيشة.

س 10 / متى كانت أول حجة لك ؟

ج10 / أول حجة كانت على ظهور الإبل وفيها شِطّه ( فصيحة من الشِطاط وهو البعد والتعب ) وثاني حجة كانت على الفروت ( من أنواع السيارات من شركة Ford ).

س 11 / ماذا تعرف عن المشاركات في الفتوحات السعودية؟

ج11/ شارك من أهل بيشة الكثير من الرجال في حرب الحديدة

(جرّة تهامة) وأبرق الرغامة. وشاركوا في حملة الأمير ابن مساعد في عهد ابن معمر أمير ببيشة ( 1344هـ إلى 1353هـ ).

س 12 / أسمعك تردد كثيرًا اسم المتن فيا ليتك تعطينا نبذة عنه؟

ج 12/ المتن أرض واسعة منبسطة شرق بيشة يقام على أرضها قديماً سباق الهجن، وهي من أخصب المراعي بالمنطقة لكثرة مواردها المائية، وقربها من حوض وادي بيشة، فهي متنفس للمتنزهين، واليوم وبحكم التوسع العمراني والبشري فقد توسطتها الطرق السريعة، ولم تبق أرض المتن كما كانت من قبل… وفي ذلك نظمت قصيدة مطلعها:

ما أحسن تراب المتن وجاله عوايق

ما أحسن مسيرٍ فيه عقب الغيومي

إلى أن قلت:

أحسّ في نفسي سوات الحرايق

وأشكي على اللي ساهر ما يُنومي

يا ما فقدنا من جمال العلايق

واليوم تحت الأرض قدهُم هشُومي

س 13 / هل تذكر بعض أنواع الطعام التي كان يجلب لكم غير البُر من خارج بيشة؟

ج13/ أذكر أن القهوة كانت تصلنا من اليمن عبر تجار الخميس، وأفضلها البريّة الخولانية، وكان الواحد منا يشتريها بـــ (الوزنة)، ويعتني بدقها وحمسها وطبخها وإضافة بهارها (القُفرة) ولا زالت أدواتها تستعمل إلى اليوم مثل: النجر (المهراس) ويده التي تسمى (الوِدِي) ، والمحماس الذي تحمس فيه حبات القهوة، وبعد الانتهاء توضع في الدلال النحاسيات من نوع الرسلان .

س 14 / كيف كانت وسيلة حفظ الأوراق والمستندات قديمًا كالصكوك وغيرها ؟

ج14/ كانت الوثائق القديمة تكتب بالريشة وتحفظ في أداة خشبية تسمى الجراع (لغة أهل المنطقة، وهو اليراع) ويضعون عليها الوسم حتى يتعرف عليه حال فقدانه، وغالباً ما يكون من خشب العُشَر، وبأحجام مختلفة ويكون مجوف من الداخل؛ ليتسنى لنا إدخال الأوراق فيه بشكل ملتف.

س15/ حدثنا عن الظباء قبل انقراضها؟

ج/ 15 الظباء والحبارى والنعام انقرضت منذ زمن ولازال كثير من المواضع تُسمى بها (ظبيا وتظبي وبو ظبيان وزور النعام …) ومن الأبيات القديمة قول الشاعر:

الله درى عن حسين الدل وش ظنه … يبي جهوم الظبا ولا يبي منا

ومن أمثالنا في ذلك: ( كل ظبي مقصوص بدمه – و عطيتك البندق ووريتك الظباء – ورأس ظبي ما فيه عراش ).

س 16 / ماهي المراعي الخصبة في منطقة بيشة وماهي النباتات البرية التي تنمو على أرضها ؟

ج16 / منطقة بيشة منطقة واسعة وهي مفالي جيدة للإبل ومنها ( أرض المتن – الميثب – المهَمل – ظهر تبالة – العالة والصمد – خلايل – الجفر وغيرها ) وتنبت الزهر والمكر والقطف والهراس والشرشر وحمراء البطن والريف والعنصلان والصليّان و القرمل والفنون والقرنوة والسعدان والحوّاء والربل والحلاوى والحربث والغريراء كرش الأرنب ونحوها.

س17 / ماهي أشهر موارد المياه حول بيشة ؟

ج17/ منها بئر الخاطبية – الحنثرية – عقيلان – دنن – رنوم – المقيبلية .

 

 

 

‫2 تعليقات

  1. لقاء رائع وفيه خضنا ذكريات هذا الرجل التي نستمد منها الحفاظ على تقاليدنا وعادادتنا الاسلامية والتي منها نعرف كيف نقدّر النعم التي نحن فيها .. شكراً أبا باسل على نقلك ومناقشتك